فصل: مسألة ابتاع من رجل جارية على أنها عذراء فقبضها بكرة وغاب عليها:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة



.مسألة ابتاع عبدا بيع الإسلام وعهدة الإسلام فلم يقم عنده إلا شهرا:

وسئل: عمن ابتاع عبدا بيع الإسلام وعهدة الإسلام فلم يقم عنده إلا شهرا حتى أبق منه، فأراد أن يستحلف البائع ما أبق عنده، فقال: أرى عليه يمينا لعله أن يكون ضربه أو أساء إليه فأبق من ذلك، ما أرى له عليه من يمين إلا أن يأتي بشبهة أو أمر يتهم عليه، فقيل له: ليس إلا أنه اشتراه فلم يقم عنده إلا شهرا حتى سرق أو أبق فاتهمه أن يكون قد كان يفعل عنده مثل هذا فأراد استحلافه على هذا، فقال: ما أرى ذلك له عليه، وذلك يختلف عندي.
أما الجليب الذي إنما جلب ثم باعه فإني لا أرى له عليه يمينا، وأما الغلام الذي نشأ عنده اعتاده، فإن ذلك عندي مختلف، قيل له: فإنه غلام نشأ بالمدينة وكان بها ليس بجليب باعه هذا من هذا بيع الإسلام وعهدة الإسلام فلم يقم عنده إلا شهرا حتى سرق أو أبق، أفترى له عليه يمينا لما فعل عنده من ذلك شيئا قبل أن يبيعه؟ فقال: ما أرى ذلك عليه إلا أن يكون لذلك شبهة أو أمر يستبين.
قال محمد بن رشد: قال: إن الجليب يختلف عنده من غير الجليب في إيجاب اليمين على البائع، ثم رجع عند تحقيق الجواب إلى أنه لا يمين عليه في الوجهين جميعا إلا بشهبة أو أمر يستبين وقد مضت هذه المسألة، والقول عليها في أول رسم من سماع ابن القاسم، فلا معنى لإعادته. وبالله التوفيق.

.مسألة الصبي الصغير يكون في الكتاب فيأبق فيقيم اليوم واليومين:

وسئل مالك عن الصبي الصغير يكون في الكتاب فيأبق فيقيم اليوم واليومين، فإذا بلغ وكبر باعه سيده ولم يبين إلى المشتري من ذلك ويعلمه إياه، ثم يعلم المشتري بعد ذلك بأمره، أترى له رد العبد على البائع بذلك؟ فقال: نعم، أرى ذلك له عليه ولمثل هذا من الإباق عادة وهو عيب فأرى له رده.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن العيوب في الأخلاق عوائد تبقى عاقبتها، فعلى البائع أن يبين بما كان من ذلك عنده وإلا كان مدلسا. وبالله التوفيق.

.مسألة يبيع الجارية ولا يعرف أبكر هي أم ثيب:

وسئل مالك: عن الرجل يبيع الجارية فيقال له: أبكر هي أم ثيب؟ فيقول: والله ما أدري ولكني أبيعكموها بكرا كانت أو ثبيا، فقال: لا أرى بذلك بأسا، قيل له: لا ترى بذلك بأسا؟ قال: نعم لا أرى بذلك بأسا، لاسيما في الجارية الدنية التي لا ثمن لها، قيل له: من جواري الخدمة واللاتي لا بال لهن؟ فقال: لا بأس بذلك.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال؛ لأن الجارية التي يوطأ مثلها محمولة على أنها قد وطئت، فإنما يشتري المشتري على ذلك، وإن سكت البائع ولم يذكر شيئا من ذلك، فكيف إذا تبرأ من معرفة ذلك، وإنما يجب للمشتري أن يردها إذا ألفاها ثيبا واشتراها على أنها بكر، أو كانت ممن لا يوطأ مثلها، وهي من غير الوخش على ما مضى في رسم سن من سماع ابن القاسم. وبالله تعالى التوفيق.

.مسألة أوقف جارية له بالسوق فسيم بها:

وسئل: عمن أوقف جارية له بالسوق فسيم بها فقال: لا أنقص فيها من ثلاث وعشرين دينارا، فقال له رجل: إن جاريتك عريانة فضع لي نصف دينار في كسوتها، ففعل، ثم إن الذي اشتراها باعها فقالت الجارية: للذي ابتاعها قد كان لي عند الذي باعني نصف دينار، قال ابن كنانة: قلت له: إن مالكا قد قال فيها يستحلف الذي باعها لقد باعها وهو نازع للنصف دينار منها.
قال مالك وأنا أسمع: صدق ابن كنانة قد قلته، ثم أخبرني ابن كنانة بعد أن مالكا نزع عنها وقال: أرى أن يؤخذ من البائع النصف دينار فيدفع إلى الجارية.
قال محمد بن رشد: حكم لما وضع البائع للمشتري في كسوة الجارية بحكم كسوتها ولم يحكم له بحكم مالها، إذ حكم مال العبد أن يكون بنفس البيع للبائع إلا أن يشترطه المبتاع على ما جاء في السنة الثابتة عن النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ، ولا أراه مالا من مال المشتري الذي وضعه له، وذلك نحو ما في رسم يوصي من سماع عيسى من كتاب الأيمان بالطلاق، فيقوم من قوله الأول الذي قال فيه: إن البائع يستحلف لقد باعها وهو نازع للنصف دينار منها أن من باع عبدا وله عنده كسوة تشبه لبسته أنها لا تكون إلا بعد يمينه لقد باعها وهو منتزع لها، وكان القياس أن يكون له إذا باعه كسائر ماله إلا أن يشترطه المبتاع أو يشترط ماله فيدخل فيه على ما حملنا عليه ما وقع في رسم الوضوء والجهاد من سماع أشهب من كتاب الجهاد، وما وقع في رسم إن خرجت من سماع عيسى من كتاب التجارة لأرض الحرب، ووجه القول الذي رجع إليه أنه حكم للنصف دينار الموضوع في كسوتها بحكم ما كان عليها من الكسوة التي يبتذل مثلها عند البيع فيكون ذلك للمبتاع، وإن لم يشترطه على ما قال في أول سماع ابن القاسم من كتاب جامع البيوع، وهو في القياس بعيد أبعد من القول الأول، وبالله التوفيق.

.مسألة حضر جارية تباع في السوق فقال له رجل كف عني فيها فإن لي بها حاجة:

ومن كتاب أوله مسائل بيوع ثم كراء:
وسئل: عمن حضر جارية تباع في السوق فقال له رجل: كف عني فيها فإن لي بها حاجة، فقال: أما الرجل الخاص يقول لصاحبه إن لي بهذه الجارية حاجة فكف عني فيها فليس بذلك بأس، أرجو ذلك، فأما الأمر العام فلا أحبه، إن تواطأ الناس بهذا فسدت السلع، فأما الرجل الواحد الخاص فأرجو ألا يكون به بأس. قيل له: أرأيت إن قال: اكفف عني ولك نصفها؟ فقال: لا، والأول أعجب إلي.
قال محمد بن رشد في المبسوط من رواية ابن نافع عن مالك: أنه كره ذلك في الواحد وقال: لا أراه حسنا؛ لأنه لو قال: لكل من يراه يريد أن يزيد عنه كف عني أضر بذلك بالبائع وأخذ السلعة بحكمه فلا أرى ذلك جائزا لأحد، وذلك قريب مما في الكتاب؛ لأنه إنما كره الواحد من ناحية الذريعة لئلا يتطرق به إلى استجازة ذلك في الجماعة، ولو قال للواحد: كف عني ولك دينار جاز ذلك ولزمه، اشترى أو لم يشتر، ولو كان قوله كف عني ولك نصفها على طريق الشركة لجاز أيضا، وإنما لم يجز ذلك في الرواية إذا أعطاه النصف على طريق العطية، فكأنه أعطاه على ألا يزيد عليه ويكف عنه ما لا يملك فلذلك لم يجزه، والله أعلم، قاله ابن دحون، وهو صحيح إن شاء الله.
ولو اشتراها للتجارة فوقف عليه رجل من التجار بها فكف عنه فيها ثم سأله الشركة فيها للزمه ذلك على اختلاف سنذكره إن شاء الله في رسم البيوع الأول من سماع أشهب من كتاب جامع البيوع وبالله التوفيق.

.مسألة يبيع الجارية على أن يتخذها أم ولد فيعلم بمكروه ذلك:

قال: وسئل مالك عن الذي يبيع الجارية على أن يتخذها أم ولد فيعلم بمكروه ذلك، فقال البائع: أنا أضع عنك الشرط، أترى أن يمضي البيع إذا وضع عنه؟ قال: لا أرى ذلك، وأرى أن يفسخ البيع ويرد، وليس ذلك مثل الذي يبيع ويشترط سلف عشرة دنانير فيدع السلف، وأرى إذا باعها منه على أن يتخذها أم ولد فيعلم بذلك وقد حملت أن تكون للمشتري بقيمتها يوم اشتراها، والله أعلم.
قال محمد بن أحمد: قد ساوى في المدونة بين المسألتين فقال: إنه إذا رضي بترك الشرط جاز البيع كالبيع والسلف، وهو المشهور في المذهب، وجعل في هذه الرواية البيع والسلف أخف من الذي يبيع الأمة على أن يتخذها أم ولد وقد قيل: إنه أشد منه، فيفسخ البيع والسلف على كل حال في القيام، وتكون فيه القيمة في الفوات، بالغة ما بلغت، ولا يفسخ البيع في الذي يبيع الأمة على أن يتخذها أم ولد إذا رضي البائع بإسقاط الشرط، فإن فات البيع كان فيه الأكثر من القيمة أو الثمن على حكم بيوع الثنيا.
وقد مضى وجه الفرق بينهما عند من رآهما مفترقين وذكر الاختلاف في ذلك في سماع يحيى من كتاب السلم والآجال، فلا معنى لإعادة ذكر ذلك، وقوله بقيمتها يوم اشتراها معناه إذا كان الشراء والقبض في يوم واحد، وأما إن تأخر القبض عن الشراء فإنما يكون عليه قيمتها يوم قبضها، وبالله تعالى التوفيق.

.مسألة يبتاع العبد بالبراءة ثم يظهر منه على بياض:

ومن كتاب الأقضية:
وسئل مالك: عن الرجل يبتاع العبد بالبراءة ثم يظهر منه على بياض فيقول للبائع: احلف ما علمت به هذا البياض، فيقول: لا أحلف ولكن احلف أنت بالله الذي لا إله إلا هو ما رأيته فرضيته بعد الروية، فقال: لا أرى ذلك للبائع على المبتاع، لا أرى له عليه يمينا.
قال محمد بن رشد: قال إن البائع يحلف ما علم بالبياض، يريد وإن كان ظاهرا من أجل أنه بيع بيع براءة، وقد نص على ذلك في سماع يحيى، وإنما يختلف إذا لم يكن البيع بيع براءة حسبما مضى القول فيه في أول رسم من سماع ابن القاسم، ولم يبين هل ثبت قدم البياض الذي ظهر عليه أم لا، وقد اختلف في إيجاب اليمين عليه إن لم يثبت قدمه، فقيل: إنه لا يحلف في بيع البراءة إلا في الموضع الذي يجب الرد به في غير بيع البراءة، وهو أن يثبت قدم العيب عنده، وهو قول ابن حبيب في الواضحة، ومثله في كتاب ابن المواز، وقيل: إنه يحلف كما يحلف إذا لم يكن البيع بيع براءة وهو ظاهر هذه الرواية، ونص قول ابن القاسم في رسم أول عبد أبتاعه من سماع يحيى بعد هذا، وكذلك اختلف أيضا إن نكل عن اليمين، فقيل: إنه يرد عليه دون يمين، وهو قول مالك في كتاب ابن المواز، ومثله في الواضحة، وهو دليل قوله في هذه الرواية لا أرى له عليه يمينا؛ لأن ظاهره ألا يمين له عليه بحال على ظاهر ما جاء في حديث قضاء عثمان على عبد الله بن عمر من قوله فيه: فأبى عبد الله بن عمر أن يحلف وارتجع العبد.
وأما قوله في الرواية: إنه لا يمين له عليه أنه ما رآه فرضيه بعد الروية، فهذا مثل ما في المدونة، قال فيها: إنه لا يحلف له إلا أن يدعي أنه بلغه ذلك أو أن مخبرا أخبره بذلك، قال في العشرة بعد أن يحلف على ذلك فتكون يمينه على ذلك توجب له اليمين.
قال بعض المتأخرين: ويحلف لقد أخبره بذلك مخبر صدق، فإن كانت له بينة على إخباره إياه أو أتى بالمخبر فقال: هذا أخبرني سقطت عنه اليمين، وإن كان المخبر الذي أتى به غير عدل.

.مسألة ابتاع من رجل جارية على أنها عذراء فقبضها بكرة وغاب عليها:

وسئل: عمن ابتاع من رجل جارية على أنها عذراء فقبضها بكرة وغاب عليها، فلما كان بالعشي جاءه بها فقال: لم أجدها عذراء، فقال له البائع: أما أنا فلم أبعك إلا عذراء وقد غبت عليها ولست أدري لعلك افترعتها أو غيرك، فقال مالك: أرأيت لو جاءه بها من ساعته أنه ليس بمثل هذا من خفاء، فأرى أن يريها النساء، فإن قلن: نرى أثرا قريبا من افتراعها حلف البائع بالله الذي لا إله إلا هو ثم لزمت المبتاع، فإن قلن: ما نرى شيئا، إن هذا فيما نرى لقديم أحلف المبتاع بالذي لا إله إلا هو ثم ردها؛ لأن النساء لم يشهدن على أنها لم تفترع عند هذا، وإنما قلن: لا نرى شيئا قريبا، فقلت له: افهمني يا عبد الله ما تقول إذا قال النساء: ما نرى أثرا قريبا من افتراعها، وإن افتراعها لقديم غير حديث، فقيل للمبتاع: أحلف فأبى؟ فقال لي: إذا أبى أن يحلف ردت اليمين على البائع ثم لزمت الجارية المبتاع.
قال محمد بن رشد: جعل مالك رَحِمَهُ اللَّهُ شهادة النساء، إذا لم يشهدن قطعا من جهة النظر أنها لم تفترع عند البائع ولا عند المبتاع وإنما قلن: نرى أثرا قريبا وإن افتراعها فيما نرى لقريب، أو نرى أثرا بعيدا وإن افتراعها فيما نرى لبعيد، دليلا يوجب أن يكون القول قول من شهدن له بذلك من البائع أو المبتاع مع يمينه، كالشاهد واليد والرهن وإرخاء الستر ومعرفة العفاص والوكاء وما أشبه ذلك من الأشياء، ولو كان ما رأى النساء من افتراعها أمرا بينا لا يشككن فيه أنه حديث لا يمكن أن يكون عند البائع، أو قديم لا يمكن أن يكون حدث عند المبتاع، فقطعن على ذلك وبتتن الشهادة فيه، إذ ذلك مما تدرك معرفة حقيقته بالنظر والعيان لكانت شهادتهن في ذلك عاملة دون يمين على ما نص عليه في رسم يدير ماله بعد هذا من سماع عيسى، وعلى ما دل عليه قوله أيضا في هذه الرواية أرأيت لو جاء بها من ساعته أنه ليس بمثل هذا من خفاء، وقد كان جميع من أدركنا من الشيوخ يحملون رواية أشهب هذه على الخلاف لرواية عيسى، وعلى ذلك يحملها أيضا من لم ندرك من الفقهاء المتقدمين فيما بلغنا عنهم، فكانوا يختلفون على ذلك في الحائط يكون بين الدارين لرجلين فيدعيه كل واحد منهما ملكا لنفسه ويشهد الشهود لأحدهما أنه من حقوق داره بدليل عقود البناء وما أشبه ذلك، فهل يقضى بشهادتهم لمن شهدوا أنه من حقوق داره بيمين أو بغير يمين؟ وهي عندي مسألة أخرى لا ينبغي أن يختلف في إيجاب اليمين فيها، إذ لا يمكن الشهود أن يشهدوا أنه ملك لأحدهما من جهته دليل البناء، إذ قد يكون لمن لا دليل له فيه بشرط في أصل مقاسمة الدار أو بيع أو هبة أو ما أشبه ذلك، وباليمين كان يفتي أبو عمر الأشبيلي، وهو نص قول عبد الملك بن الماجشون في الثمانية، ولو كان المتداعيان في الحائط، لا يدعيه كل واحد منهما لنفسه ملكا وإنما يقول: إنه من حقوق داره لوجب أن يقضى به لمن شهدت البينة منهما له أنه من حقوق داره دون يمين وبالله التوفيق.

.مسألة اشترى جارية ليتخذها أم ولد فاخبر أنه لا يعرف أبوها:

وسئل مالك: عمن اشترى جارية ليتخذها أم ولد فاخبر أنه لا يعرف أبوها، أله أن يردها؟ فقال: ذلك له إن كانت ذات ثمن.
قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة والقول فيها في رسم الأقضية الثاني من هذا السماع وفي رسم البز من سماع ابن القاسم، فلا معنى لإعادته، وبالله التوفيق.

.مسألة اشترى جارية ليتخذها أم ولد فاخبر أن أحد جديها أسود:

قيل له: أرأيت إن أخبر أن أحد جديها أسود، أله أن يردها؟ فقال: لا أرى ذلك له.
قال محمد بن رشد: في الواضحة لمالك أن العلية ترد بذلك، وهو صحيح، لما يخشى من أن ينزع عرقه فيأتيه منها ولد أسود، والأصل في ذلك ما جاء من «أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أتاه رجل فقال: يا رسول الله، إن أهلي ولدت غلاما أسود وإني أنكرته، فقال له رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هل لك من إبل؟ قال: نعم، قال: فما ألوانها، قال: حمر، قال: فيها من أورق؟ قال: إن فيها لورقا، قال: فأنى ترى ذلك جاءها؟ قال: عرق نزعه، قال: فلعل ابنك نزعه عرق» ولم يرخص له في الانتفاء منه.

.مسألة ابتاع جارية ثم جاء فزعم أنها تبول في الفراش:

وسئل: عمن ابتاع جارية ثم جاء فزعم أنها تبول في الفراش، فأنكر ذلك البائع وكذبه، أيهما يحلف؟ قال: هذا أمر يعرف يضعانها على يدي عدل حتى يعرفوا ذلك منها، وهذا مما يجوز فيه قول النساء، ومما يجوز فيه قول الرجال يجدون تحتها البول قيل: أفتراه مما يحدث؟ قال: لا ويسأل عن ذلك أصحاب الرقيق وهم أعرف بهذا.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة فيها نظر؛ لأن الجارية تتهم على أن تفعل ذلك عند الذي وضعت عنده لترجع إلى سيدها، وقد قال ابن عبد الحكم في الكتاب المعروف بالمولدات لا يثبت مثل هذا إلا بإقرار البائع؛ لأن العبد يتهم على أن يبول عامدا أو يلقي ماء في فراشه، والصحيح فيها ما حكاه ابن حبيب في الواضحة قال: لا يردها حتى يقيم بينة أنها كانت تبول في الفراش عند البائع؛ لأنه مما يحدث في ليلة فأكثر، ويحلف البائع على علمه ولا يحلف بدعوى المبتاع حتى توضع بيد امرأة أو رجل له زوجة، فيذكر ذلك، ويقبل قول المرأة في ذلك وقول زوجها عليها، فتجب بذلك اليمين على البائع، وليس بمعنى الشهادة ولو جاء المشتري بقوم ينظرون مرقدها بالغداة مبلولا فلابد من رجلين؛ لأن هذا من معنى الشهادة ثم يحلف حينئذ البائع.
قال: والغلام مثل هذا، وكذلك قال كل من كاشفت من أصحاب مالك.

.مسألة عبد بيع بالبراءة من الإباق فعطب أو مات:

وسئل عن عبد بيع بالبراءة من الإباق، فعطب أو مات، فقال: إن أقام البينة أنه عطب في الثلاث فهو من البائع، قيل: من يكلف ذلك؟ قال: المشتري، وهو مثل ما لو غاب عليه فعليه البينة أنه مات في الثلاث.
قال محمد بن رشد: هذا خلاف روايته عنه في أول السماع مثل رواية ابن القاسم عنه في رسم طلق من سماع ابن القاسم، وقد مضى هناك القول على ذلك فلا وجه لإعادته، وبالله التوفيق.

.مسألة ابتاع شاة فوجد جوفها فاسدا أخضر:

ومن كتاب البيوع الأول:
قال: وسئل عمن ابتاع شاة فوجد جوفها فاسدا أخضر فظن أنه من ضربة ضربت الشاة، أترى له أن يردها؟ فقال: لا والله ما أظن له أن يردها قد يشتري المشتري فيقال له: سمينة ثم تأتي عجفاء فيردها، ويقول: هات الثمن، ما أرى له عليه شيئا، قيل له: فيحلف؟ قال: إن جاء بوجه حلف.
قال محمد بن رشد: قوله: فظن أنه من ضربة ضربت الشاة، يدل على أنه لو علم أن ذلك من ضربة ضربت لكان له أن يردها، فلم ير له أن يردها حتى يعلم ذلك؛ لأنه حمل أمرها على أن ذلك بها من غير جناية عليها كالسوس في الخشب لا يعلم به إلا بعد القطع، ولم ير على البائع يمينا أنه ما ضربها ولا علم أنها مضروبة إلا أن يأتي بوجه شبهة، وذلك على القول بأن يمين التهمة لا تلحق دون شبهة.
وقوله: قد يشتري المشتري الشاة ويقال له: سمينة ثم تأتي عجفاء إنه لا رد له، معناه أن البائع لم يقل له ذلك، وإنما قاله له غيره فاشتراها وهو يظنها سمينة.
وإما لو قال ذلك له البائع وشرط أنها سمينة، فوجدها عجفاء لكان ذلك عيبا فيها يجب له الرجوع بقيمته من الثمن؛ لأن الذبح فيها فوت.
وفي المبسوطة لأشهب أنه يرد فيها إلى القيمة، ومعنى ذلك إذا كانت قيمتها سمينة والثمن الذي اشتراها به سواء، فيرجع قوله إلى أن له الرجوع بقيمة العيب من الثمن كما قلناه؛ لأنه لا يرد إلى القيمة بعد الفوات إلا البيع الفاسد، وليس هذا ببيع فاسد، وإنما هو بيع عيب، وقد كان الشيوخ يختلفون من هذا المعنى في الذي يشتري الضحية فيجدها عجفاء، فمنهم من كان لا يرى في ذلك للمبتاع حجة على البائع ويحتج بهذه الرواية، وممن كان يذهب إلى ذلك ابن الفخار وابن القطان، وكان ابن الفخار يقول: ولو رضي البائع أن يأخذها منه مذبوحة ويصرف عليه الثمن لم يجز له لأنه بيع الحيوان باللحم، وجواز هذا يتخرج على اختلاف قول مالك في سماع أشهب من كتاب السلم والآجال في الذي يبيع من الرجل الثمرة في رؤوس النخل بعد أن بدا صلاحها بدين إلى أجل، فإذا يبست واستجدت أخذها منه بماله عليه من الثمن أو أقل أو أكثر، ومنهم من كان يقول: له أن يردها عليه مذبوحة كمن دلس لرجل بعيب في ثوب ثم اطلع على العيب بعد أن قطع الثوب أنه يرده ولا شيء عليه في قطعه؛ ومنهم من كان يقول: القيام عليه بالعيب يريد فيرجع عليه بقيمته ويرى الذبح فوتا، وإلى هذا كان يذهب ابن عتاب، وقال بذلك ابن مالك وذكر أنه في كتاب ابن شعبان.
والذي أقول به في هذا: أنه إن أتى إلى رب الغنم فقال له: أخرج إلي شاة سمينة أضحي بها أو شاة أضحي بها ولم يقل سمينة، فأخرج إليه شاة فسامه فيها واشتراها منه، فلما ذبحها وجدها عجفاء لا تجوز في الضحايا، فله ردها مذبوحة وأخذ ثمنها، وأما إن أتى الغنم فوضع يده على شاة منها فقال له: بعني هذه الشاة أضحي بها فاشتراها منه فلما ذبحها وجدها عجفاء، لا تجوز في الضحايا، فلا قيام له عليه فيها، إلا أن يقر البائع أنه علم أنها كانت مهزولة لا تجوز في الضحايا فيكون له ردها عليه، وكذلك إن لم يقل: أضحي بها إذا كان ذلك في وقت شراء الضحايا وفي سوقها؛ لأن أمره إنما يحمل على أنه إنما اشتراها ليضحي بها إذا لم يكن من أهل التجارة بذلك مثل الجزارين وشبههم وبالله التوفيق.

.مسألة ابتاع عبدا ولم يستثن ماله عند الاشتراء:

وسئل: عمن ابتاع عبدا ولم يستثن ماله عند الاشتراء، ثم جاء بعد الاشتراء إلى البائع فقال له: إنه قد كان لي أن استثني مال العبد فلم أفعل، فأنا أشتري منك الآن ماله ما كان بكذا وكذا، أيصلح ذلك؟ فقال: لا والله ما يصلح. قيل له: أفرأيت الذي يبتاع أصل الحائط وفيه ثمر قد أبر فلم يستثنه عند عقدة الشراء، ثم يجيء بعد ذلك فيريد أن يشتريه، أيجوز ذلك له؟ فقال: لا والله إذا باع الرجل أصل حائطه وثمره بلح جاز للمشتري أن يستثنيه، فإن لم يستثنه فإنه إنما جاء الآن يشتري بلحا في رؤوس النخل، لا يصلح هذا، وهذا بيع الثمار قبل أن يبدو صلاحها، والنخل يباع وفي رؤوسها البلح فيكون للمشتري إذا استثناها، فإذا ذهب يشتريها بعد اشتراء الأصل فقد صار بيع الثمار قبل أن يبدو صلاحها، وسواء بعد ذلك أو قرب لا يصلح، والعبد بمنزلة ذلك في ماله قرب ذلك أو بعد.
قال محمد بن رشد: أجاز ذلك ابن القاسم في رسم نقدها من سماع عيسى من كتاب جامع البيوع، ولم يفرق في ذلك بين قريب ولا بعيد، ومثل ذلك في الجوائح من المدونة في شراء الثمرة بعد الأصل، وفرق عيسى في ذلك بين القرب والبعد، وهي رواية أصبغ عن ابن القاسم، فمن الناس من يحمل رواية أصبغ عن ابن القاسم وقول عيسى على الخلاف لرواية عيسي ويقول في المسألة ثلاثة أقوال: المنع، والجواز، والتفرقة بين القرب والبعد، ومنهم من يقول: إن قول ابن القاسم في رواية أصبغ عنه مفسر لقوله في رواية عيسى عنه، وإن الاختلاف إنما هو في القرب ولا اختلاف في البعد؛ لأن الأمر إذا طال فليس الذي اشترى هو الذي كان يجوز له أن يستثني، وقد كنت أقول بذلك ثم بان لي أنه قول ثالث في المسألة؛ لأن كل قول منها له وجه من النظر قد ذكرته وبينته في أول رسم نقدها من سماع عيسى من كتاب جامع البيوع، وقد أجاز أشهب في قول شراء ثمر النخل ولم يجز شراء مال العبد، في الجواز من إلحاق مال العبد بالأوإلحاق ثمر النخل بالأصل أبين صل؛ لأن المشتري يضمنها بالعقد؛ لأنها في أصوله، والحادث فيها من النماء إنما حدث بعد أن صارت في ضمانه وفي أصوله، وإنما نهي عن بيع الثمار قبل أن يبدو صلاحها لكونها في ضمان البائع وفي أصوله.
وقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أرأيت إذا منع الله الثمر ففيم يأخذ أحدكم مال أخيه»، دليل على هذا.

.مسألة اشترى من رجل عبدا فمات البائع والمبتاع فوجد ورثة المبتاع بالعبد عيبا:

ومن سماع عيسى بن دينار من ابن القاسم من كتاب نقدها نقدها وقال في رجل اشترى من رجل عبدا فمات البائع والمبتاع فوجد ورثة المبتاع بالعبد عيبا كان به عند البائع يشهد بذلك الشهود ولم يعرفوا عدة الثمن، جهلوا ذلك ولم يعلم، والعبد قائم بعينه أو فائت: إن مجهلة الثمن فوت وإن كان قائما، ويرجع بقدر العيب في الوجهين جميعا، ينظركم قيمته يوم قبضه المبتاع، مثل أن تكون أرفع القيمة يومئذ خمسين دينارا وأدناها أربعين دينارا فبين ذلك عشرة دنانير فالعشرة تنقسم بين القيمتين بنصفين، فيكون الثمن خمسة وأربعين، ثم ينظركم العيب من ذلك فيرجع به.
قال عيسى: أرى ألا ينظر في شيء من هذا إلى وسط القيمة، ولكن إلى قيمته يوم بيع فتجعل القيمة ثمنه، ثم يرجع بقدر العيب في القيمة، ومجهلة الثمن فوت.
قال محمد بن رشد: قد روي عن ابن القاسم أن مجهلة الثمن ليس بفوت، وأنه يرجع بقيمته يوم قبضه قيمة وسطه ويرد العبد، حكى القولين عنه ابن المواز، والقيمة إنما تكون في هذا يوم البيع لا يوم القبض، إذ ليس ببيع فاسد، فقوله: إنه ينظر إلى قيمته يوم قبضه المبتاع معناه إذا كان القبض والبيع في يوم واحد، ولم يذكر في هذا يمينا، واليمين في ذلك واجبة على القول بلحوق يمين التهمة، فلا يكون هذا الذي قاله ابن القاسم من رد العبد والرجوع بقيمته أو إمساكه والرجوع بقيمة العيب من القيمة على هذا القول إلا بعد أيمانهما أو نكولهما، فإن حلف ورثة البائع أنهم لا يعلمون عدة الثمن ونكل ورثة المشتري عن اليمين استبرئ بما يؤدي إليه اجتهاد الحاكم من السجن، ولو تجاهلوا معرفة الثمن وتصادقوا على أنه لم يقبض والسلعة قائمة لحلفوا جميعا ورد البيع على ما قاله في كتاب تضمين الصناع من المدونة، وإن فاتت كانت على ورثة المشتري بقيمتها، ثم ينظر في العيب بينهم على ما تقدم.
ووجه القول بأن مجهلة الثمن فوت هو أنه لما كان فوات العبد بالعيوب المفسدة فوتا في الرد بالعيب لئلا يظلم البائع بأن يؤخذ منه جميع الثمن ويرد إليه العبد معيبا، وزيادته في عينه كالصغير يكبر فوتا لئلا يظلم المبتاع، وجب أن يكون مجهلة الثمن فوتا لئلا يظلم ورثة البائع إن كانت القيمة أكثر من الثمن الذي قبض، أو يظلم ورثة المبتاع إن كانت القيمة أقل من الثمن الذي دفع.
ووجه القول بأن ذلك ليس بفوت هو أنه لما كان ذلك لا يحققه أحدهما على صاحبه ولا يدعيه عليه وجب ألا يلتفت إليه.
وقول عيسى بن دينار إنه لا ينظر في شيء من هذا إلى وسط القيمة يرجع إلى قول ابن القاسم في المعنى ولا يخالفه إلا في صفة التقويم؛ لأنه لا يقول إنه يقوم أعلى القيم التي لا توجد إلا في النادر على الطالب ولا أدنى القيم التي يبيع بها المحتاج المضطر إلى تعجيل البيع، وإنما يقول: إنه يقوم على الوسط من ذلك، فهو راجع إلى قوله في المعنى، وأما قوله: إنه يقوم يوم البيع فقد ذكرنا أنه معنى قول ابن القاسم وإرادته، وبالله التوفيق.

.مسألة يشتري الجارية من الرجل فيغيب البائع ويجد بها المشتري عيبا لم يعلم به:

وقال في الرجل يشتري الجارية من الرجل فيغيب البائع ويجد بها المشتري عيبا لم يعلم به وهو نقط برص في غير موضع ولم يطلع منها عند الاستبراء إلا على نقطة واحدة، والبائع غائب، كيف يصنع؟ قال: يقيم البينة عند الإمام أنه اشترى بيع الإسلام وعهدة الإسلام لا داء ولا غائلة، قال: فإذا أقام البينة عنده على ذلك باعها السلطان، وإن كان البائع غائبا، فإن كان نقصانا اتبع به البائع، وليس عليه في الوطء شيء؛ لأنه كان لها ضامنا إلا أن تكون بكرا فيكون عليه ما نقص إن نقص، قيل له: فعليه يمين أنه ما وطئها منذ اطلع على ذلك منها؟ قال: إن كان ممن لا يتهم لم يحلف، وإن كان ممن يتهم كان عليه اليمين أنه ما وطئها منذ رأى ذلك.
وسئل عنها سحنون فقال: أخبرني أشهب بن عبد العزيز وابن نافع عن مالك أنه سئل عن رجل يشتري الجارية فيجد بها عيبا فيردها على صاحبها فيريد صاحبها أن يستحلفه أنه ما وطئها منذ رأى العيب بها، فقال مالك: ليس له أن يستحلفه ولا أرى عليه يمينا، واستحسنها سحنون وقال: هي جيدة.
قال محمد بن رشد: قوله: إنه يقيم البينة عند الإمام أنه اشترى بيع الإسلام وعهدة الإسلام لا داء ولا غائلة، يريد في يوم كذا وكذا من أجل العيوب التي تقدم وتحدث، ويريد: ويقيم البينة عنده أيضا أنه قد نقده الثمن، ويحلف ما بينه العيب الذي قام به، وحينئذ يكون ما قال من بيع العبد على الغائب ودفع الثمن إليه، فإن لم يقم البينة على أن البيع كان بيع الإسلام وعهدة الإسلام حلف على ذلك كما كان يحلف لو ادعى البائع أنه باع بيع براءة، وإن لم يقم البينة على دفع الثمن إلى البائع حلف على ذلك أيضا، وذلك إذا كان قد مضى من المدة ما لو أنكره البائع القبض كان القول قوله مع يمينه أنه قد دفعه إليه، وذلك العام والعامان على ما ذهب إليه ابن حبيب، والعشرون عاما ونحوها على مذهب ابن القاسم؛ لأن السلطان يستقضي للغائب حقوقه ويقوم له بحجته، وقوله: إنه لا يحلف أنه ما وطئها منذ اطلع على ذلك إلا أن يكون ممن يتهم صحيح؛ لأنها يمين تهمة، فلا يحلف فيها من لا يتهم، واحتجاج سحنون برواية أشهب عن مالك على أن الإمام لا يحلفه على ذلك صحيح؛ لأن الإمام إنما يحلفه فيما لو كان حاضرا وأراد أن يحلفه فيه لكان له أن يحلفه، وبالله التوفيق.